بدعوة من الجامعة الكاثوليكية الإيطالية، ألقى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس مجلس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور محمد عبدالكريم العيسى محاضرة عن الصداقة والأخوة بين الأمم والشعوب، مستعرضا نماذج من ذلك تمثلت في العلاقة الإيجابية بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي التي توطَّدت أخيرا من خلال العلاقة المميزة بين رابطة العالم الإسلامي والفاتيكان.
وقال إن قيمة الأخوة والصداقة تعني المحبة، والضمير الصادق، والثقة المتبادلة، وبالتالي سهولة الحوار والتفاهم، والعمل سوياً على المشتركات التي نتفق من خلالها على قيمنا الإنسانية التي تمثل القانون الطبيعي لنا جميعاً الذي رسخته الشرائع السماوية. وأوضح أن الصداقة هي أجمل ما يمكن أن نتحدث عنه، وعندما نقول الصداقة نعني بها الصداقة الفعَّالة، وليست الصداقة المرحلية التي تتبادل المصالح أو المجاملة المادية والإعلامية؛ فهذه لا تعدو أن تكون ظاهرة شكلية لا قيمة لها.
أضاف العيسى أن الأفكار المتحضرة تتميز من خلال تفاعلها الإيجابي مع مفهوم الأسرة الإنسانية الواحدة، وتفاهم وتعاون أتباع الأديان والثقافات، والاحترام المتبادل، وبالتالي حوار وتفاهم وتحالف الحضارات لخدمة الإنسانية في سلامها ووئامها الذي نتحمل جميعاً مسؤوليته فيما يخصنا، مؤكداً أنه من الطبيعي أن نختلف دينياً وسياسياً وفكرياً وثقافياً، لكن ليس من المقبول أننا بسبب هذا الاختلاف لا نتعارف ولا نتقارب ولا نتحاور ولا يُحبَّ بعضنا بعضاً ولا نعمل سوياً على مشتركاتنا، التي أجزم أن 10% منها فقط كفيل بإحلال السلام والوئام في عالمنا.
وقدم العيسى في كلمته نماذج تعكس قيم العلاقة بين العالمين الإسلامي والمسيحي منها لقاؤه باسم الشعوب الإسلامية التي تمثلهم رابطة العالم الإسلامي مع البابا فرانسيس، إذ دار معه حوار التقدير المتبادل والمزيد من التطلع نحو تعميق الصداقة والتعاون.
كما استذكر صداقته مع الراحل الكاردينال جان لوي توران الذي قام بزيارة تاريخية للمملكة مع وفد المجلس البابوي للحوار بين الأديان في أبريل 2018.
وكشف أمين الرابطة إطلاق مبادرة عالمية ستعمل عليها الرابطة بكل إمكاناتها، تحمل عنوان: «تعزيز الصداقة والتعاون بين الأمم والشعوب.. من أجل عالم أكثر تفاهماً وسلاماً.. ومجتمعاتٍ أكثرَ وئاماً واندماجاً».
وتابع: إن مشكلة الأسرة الإنسانية ليست في شكلية الصداقة، فهذه من السهولة أن تقال، لكنها تظل جسداً منحوتاً دون روح، بل المشكلة والمُعاناة الحقيقية تكمن في عدم القدرة على إيجاد القيمة العليا للصداقة، التي يجب أن تكون ملهمة للآخرين من خلال تعبيرها الرائع والصادق، والمشكلة الأكثرُ ألماً هي رفضُ هذه الصداقة بسبب تحفظ سياسي أو ديني أو فكري أو عنصري، وهذا التحفظ يعني وجود تطرف يهدد صداقة وسلام ووئام عالمنا.
وزاد العيسى أن الأخيار أثبتوا في عالمنا أنهم وحدهم القادرون على إيجاد المعنى الحقيقي للصداقة. وهؤلاء الأخيار هم من يستحق أن يكونوا قدوة للآخرين في القيم الإنسانية، فهم الملهمون حقاً، وهم من يُراهن على إسهامهم الكبير في صناعة السلام والوئام بين الأمم والشعوب. والصداقة الحقيقية والإسهام الفاعل في خدمة الإنسانية هما معيار القيم بعيداً عن الادعاء والاستعراض المجرد، وقيمة الإنسان فيما يقدمه للآخرين، هذه القيمة هي التي جعلته يستحق وصف الإنسانية، وفي الإسلام يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «خير الناس أنفعهم للناس».
التعامل مع الأشرار
وأكد أمين عام رابطة العالم الإسلامي في كلمته أن علينا جميعاً مسؤولية مشتركة في حفظ القيم الإنسانية للأجيال القادمة التي تدعم سلامهم ووئامهم والاحترام المتبادل بينهم وتعزيز الوعي بحتمية الاختلاف والتنوع. وأيضاً تعليم الأجيال القادمة الأسلوب المناسب في التواصل مع الآخرين وكيفية التعامل مع الأشرار، خصوصاً حاملي خطاب الكراهية والعنصرية، وعلى المنصات الدينية والتعليم والأسرة مسؤولية كبيرة، ومن هنا تأتي أهمية قيام كل منها بواجبه الأخلاقي. كما من المهم أن يراعي خطاب المشاركة الدينية الذي يهدف إلى الإسهام في تعزيز السلوك الإنساني كلاً من الروح والعقل والواقع، مضيفاً أن عزوف البعض، خصوصا في صفوف بعض الشباب، عن المشتركات الإيمانية التي نتحدث عنها سوياً يعود إلى ضعف كفاءة مخاطبة المنطق والعقل وضعف التأهيل في مناقشة الموضوعات المثارة.
وأشار إلى أنه: من واقع علاقتي بالأديان جميعاً أدرك أن هناك فراغاً في أسلوب مخاطبة الشباب، الذي يريد مخاطبة منطقه وأسلوب تفكيره وأن يَنْزل لمستوى مشاعره والمحيط الذي يعيشه الشباب، مؤكدا أن كل سلوك سلبي يتعلق بانحدار القيم والأخلاق، خصوصاً البعد عن الإيمان، نتحمل مسؤوليته بالتضامن، كل فيما يخصه، وأن ضبط القيم الأخلاقية والمحافظة على معنى الإنسانية يبدأ من «الوجدان» و«العقل» معاً والتفكير في منطقة الواقع والقدرة على استيعابها وتحليلها وإيجاد الحلول لها، وقد نشخص الحالة تشخيصاً صحيحاً لكن قد لا نحسن وصف علاجها، وقد نحسنه لكن لا يتم أخذه بالطريقة الصحيحة، لقد دخلت على عالمنا مظاهر لا يقبلها الإيمان بالخالق، وبالتالي ترفضها الأديان السماوية كافة، وهي تنحدر بالإنسان لتجرده من كل القيم التي ميزته كإنسان.كما أكد أمين الرابطة أن المنتصر الحقيقي في الحوار الموضوعي بين أتباع الأديان والثقافات هي القيم، لكن ما هي القيم التي نعني؟ وبالتالي ما هي القيم التي نريد؟ إنها باختصار المشتركات الإنسانية، ولا بد لنا حتى نُطَبّق هذه القيم من أرضية تؤسِّسُ لها، ترتكز على أمور عدة من أهمها:
أولا: كفاءة التعليم الذي يشمل المنهج والمعلم، ولا بد أن يُركز التعليم على المعارف السلوكية والأخلاقية، إضافة إلى العلوم على حد سواء، والمعارف التي نريد هنا أن تشمل صياغة السلوك الحضاري للأطفال وصغار الشباب من خلال استعراض المعارف الإنسانية ذات الطابع الأخلاقي المشترك، وتحريك فكرهم لإقناعهم بها عبر إيضاح النماذج الإيجابية للأخذ بها، والنماذج السلبية الناتجة عن رفضها، وأيضاً إقناعهم من خلال المعرفة أن الإنسان يستحق وصف الإنسان بتلك القيم، وأن الخاسر الأول والأخير في المخاطرة بالقيم هو الشخص ذاته قبل غيره. وكذلك إقناعهم بالمسلمات الكونية في وجود الاختلاف والتنوع والتعدد، وأنه لا يعني الصراع والصدام أبداً، وأن هذا الفهم لا يلجأ له الأسوياء أبداً. يتلو ذلك تدريب الأطفال وصغار الشباب عملياً من خلال برامج متنوعة
الثاني: من مرتكزات تطبيق القيم المشتركة كفاءة قيادة الأسرة، فلابد من أسرة واعية، تسهم بشكل رئيسي في صياغة عقول أطفالها بالمعارف السلوكية الإيجابية، وكلنا ندرك أن أصل الإنسان هو الفطرة السليمة النقية، فالإنسان لم يُخلق شريراً، ولا عنصرياً، ولا كارهاً، وهو مدني بطبعه، ولكن ما الذي يحصل لهذا الإنسان؟ يحصل له أنه يتأثر بالسلوك السلبي المكتسب أياً كانت الأسباب الباعثة عليه، فمثلاً يجد في الخطأ أو الإساءة أو الاعتداء مصلحة ذاتية مغرية، أو يجره التصور الخاطئ إلى ممارسات سلبية، فهناك من يعتقد أنه الصواب المطلق، ثم لا يكتفي بذلك بل يتجاوز إلى الإساءة للآخرين واستحقارهم وربما تطور إلى إيذائهم.
اعتبر الدكتور العيسى انعزال الأديان في دُور عباداتها بعيداً عن القيام بواجبها الأخلاقي والإنساني ينافي الواجب عليها ويحولها إلى مؤسسات شكلية ويزعزع الثقة بها. وتابع: كلنا نعلم أن بوابة السلام والوئام بين أشكال الاختلاف والتنوع الإنساني كافة هو الاحترام المجرد، وهو الذي يمهد بشكل تلقائي للحوار والتفاهم الذي لا بد أن يكون موضوعياً. لكن نسأل أنفسنا هل كانت السجالات الدينية والثقافية طيلة التاريخ الإنساني خالية من الأخذ بخيار الحوار؟ الواقع أن خيار الحوار كان موجوداً في كثير من الأحوال، لكنه لم يكن فعَّالاً بالقدر اللازم لنجاحه.
والسؤال ما سبب عدم فعاليته؟ هل السبب هو أن هناك صداماً محتوماً بين الحضارات كما يؤمن البعض، وبالتالي لا جدوى من الحوار مهما فعلنا لإنجاحه؟ أو أن صيغة الحوار خاطئة، لاسيما ما يتعلق بالثقة المتبادلة أو حسن إدارة الحوار؟ أو أن هناك مشاحة وعدم تسامح في المنطقة التي يُفَضَّل فيها التسامح؟ أو أن الحوار غير مسبوق بأرضية ممهدة له، وبعبارة أخرى لا توجد له «منصة إطلاق»؟ أو أن الحوار مسبوق بمحاولة فرض القناعة وذلك لإصرار كل محاور على أنه يمتلك الحقيقة المطلقة وبالتالي لا مجال للتفاهم على خلافها، فضلاً عن أن تكون هناك قناعة بما لدى الآخر بشكل كلي أو جزئي؟ أو أن الحوار لم يضع المشتركات كأساس ينطلق منها، ومن ثَم شَرَعَ مباشرةً في نقاط الخلاف، على أساس أن المشتركات تُعتبر العنصر الرئيسي في إيجاد القدر اللازم من التفاهم، ومن ثم رسم الأهداف المشتركة، وصولاً إلى ردم الفجوة السلبية بين أطراف الحوار؟
كما أن من أسباب عدم فعالية الحوار هو أن بعض المتحاورين لا يُدرك سلبيات فشل الحوار بسبب الشد المتبادل، ومن ثم العودة لمربع الخلاف السلبي أو الصدام.
وقع الشيخ العيسى مع مدير الجامعة الكاثوليكية فرانكو انيلي اتفاقية للتعاون والشراكة بين الجامعة ورابطة العالم الإسلامي؛ بهدف تطوير وتحسين برامج اللغة العربية ونشاطات البحوث الثقافية العربية والإسلامية. وتأتي أهمية الاتفاقية في ظل ما أنجزته الجامعة الكاثوليكية خلال السنوات الأخيرة من دراسات وبحوث وبرامج ومبادرات تدريبية مرتبطة باللغة والثقافة العربية، وانطلاقاً من حرص الرابطة على دعم وتعزيز وتحسين كل الجهود التي تبذلها المؤسسات الأكاديمية العالمية في حقول اللغة والثقافة العربية والإسلامية.
لفت العيسى في كلمته إلى العلاقة القوية بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي والصداقة التي تترسخ كل يوم بين هذين العالمين، لقد كان للبابا فرانسيس مواقف عادلة مع الإسلام والمسلمين صرَّح بها أكثر من مرة، والمسلمون يقدرون بشكل كبير هذه التصريحات ويقدرون كذلك صداقته مع العالم الإسلامي. وقال عقدنا مؤتمراً تاريخياً في مكة المكرمة اجتمع فيه عموم المفتين والعلماء المسلمين، حضره أكثر من 1200 مفتٍ وعالم من جميع الطوائف الإسلامية وعددهم 27 مذهباً وطائفة، جاءوا جميعاً تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي وعلى بعد خطوات من الكعبة المشرفة، وأعرب عدد منهم في كلماتهم عن تقديرهم لتصريحات البابا حول الإسلام والمسلمين، خصوصا في أعقاب الأعمال الإرهابية التي قام بها مجرمون محسوبون زوراً وكذباً على الإسلام، كما أننا في المقابل لا يمكن أن نحسب الأعمال الإرهابية التي قام بها مجرمون منسوبون إلى أديان أخرى على تلك الأديان التي يدعون اتباعهم لها.
وقال إن قيمة الأخوة والصداقة تعني المحبة، والضمير الصادق، والثقة المتبادلة، وبالتالي سهولة الحوار والتفاهم، والعمل سوياً على المشتركات التي نتفق من خلالها على قيمنا الإنسانية التي تمثل القانون الطبيعي لنا جميعاً الذي رسخته الشرائع السماوية. وأوضح أن الصداقة هي أجمل ما يمكن أن نتحدث عنه، وعندما نقول الصداقة نعني بها الصداقة الفعَّالة، وليست الصداقة المرحلية التي تتبادل المصالح أو المجاملة المادية والإعلامية؛ فهذه لا تعدو أن تكون ظاهرة شكلية لا قيمة لها.
أضاف العيسى أن الأفكار المتحضرة تتميز من خلال تفاعلها الإيجابي مع مفهوم الأسرة الإنسانية الواحدة، وتفاهم وتعاون أتباع الأديان والثقافات، والاحترام المتبادل، وبالتالي حوار وتفاهم وتحالف الحضارات لخدمة الإنسانية في سلامها ووئامها الذي نتحمل جميعاً مسؤوليته فيما يخصنا، مؤكداً أنه من الطبيعي أن نختلف دينياً وسياسياً وفكرياً وثقافياً، لكن ليس من المقبول أننا بسبب هذا الاختلاف لا نتعارف ولا نتقارب ولا نتحاور ولا يُحبَّ بعضنا بعضاً ولا نعمل سوياً على مشتركاتنا، التي أجزم أن 10% منها فقط كفيل بإحلال السلام والوئام في عالمنا.
وقدم العيسى في كلمته نماذج تعكس قيم العلاقة بين العالمين الإسلامي والمسيحي منها لقاؤه باسم الشعوب الإسلامية التي تمثلهم رابطة العالم الإسلامي مع البابا فرانسيس، إذ دار معه حوار التقدير المتبادل والمزيد من التطلع نحو تعميق الصداقة والتعاون.
كما استذكر صداقته مع الراحل الكاردينال جان لوي توران الذي قام بزيارة تاريخية للمملكة مع وفد المجلس البابوي للحوار بين الأديان في أبريل 2018.
وكشف أمين الرابطة إطلاق مبادرة عالمية ستعمل عليها الرابطة بكل إمكاناتها، تحمل عنوان: «تعزيز الصداقة والتعاون بين الأمم والشعوب.. من أجل عالم أكثر تفاهماً وسلاماً.. ومجتمعاتٍ أكثرَ وئاماً واندماجاً».
وتابع: إن مشكلة الأسرة الإنسانية ليست في شكلية الصداقة، فهذه من السهولة أن تقال، لكنها تظل جسداً منحوتاً دون روح، بل المشكلة والمُعاناة الحقيقية تكمن في عدم القدرة على إيجاد القيمة العليا للصداقة، التي يجب أن تكون ملهمة للآخرين من خلال تعبيرها الرائع والصادق، والمشكلة الأكثرُ ألماً هي رفضُ هذه الصداقة بسبب تحفظ سياسي أو ديني أو فكري أو عنصري، وهذا التحفظ يعني وجود تطرف يهدد صداقة وسلام ووئام عالمنا.
وزاد العيسى أن الأخيار أثبتوا في عالمنا أنهم وحدهم القادرون على إيجاد المعنى الحقيقي للصداقة. وهؤلاء الأخيار هم من يستحق أن يكونوا قدوة للآخرين في القيم الإنسانية، فهم الملهمون حقاً، وهم من يُراهن على إسهامهم الكبير في صناعة السلام والوئام بين الأمم والشعوب. والصداقة الحقيقية والإسهام الفاعل في خدمة الإنسانية هما معيار القيم بعيداً عن الادعاء والاستعراض المجرد، وقيمة الإنسان فيما يقدمه للآخرين، هذه القيمة هي التي جعلته يستحق وصف الإنسانية، وفي الإسلام يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «خير الناس أنفعهم للناس».
التعامل مع الأشرار
وأكد أمين عام رابطة العالم الإسلامي في كلمته أن علينا جميعاً مسؤولية مشتركة في حفظ القيم الإنسانية للأجيال القادمة التي تدعم سلامهم ووئامهم والاحترام المتبادل بينهم وتعزيز الوعي بحتمية الاختلاف والتنوع. وأيضاً تعليم الأجيال القادمة الأسلوب المناسب في التواصل مع الآخرين وكيفية التعامل مع الأشرار، خصوصاً حاملي خطاب الكراهية والعنصرية، وعلى المنصات الدينية والتعليم والأسرة مسؤولية كبيرة، ومن هنا تأتي أهمية قيام كل منها بواجبه الأخلاقي. كما من المهم أن يراعي خطاب المشاركة الدينية الذي يهدف إلى الإسهام في تعزيز السلوك الإنساني كلاً من الروح والعقل والواقع، مضيفاً أن عزوف البعض، خصوصا في صفوف بعض الشباب، عن المشتركات الإيمانية التي نتحدث عنها سوياً يعود إلى ضعف كفاءة مخاطبة المنطق والعقل وضعف التأهيل في مناقشة الموضوعات المثارة.
وأشار إلى أنه: من واقع علاقتي بالأديان جميعاً أدرك أن هناك فراغاً في أسلوب مخاطبة الشباب، الذي يريد مخاطبة منطقه وأسلوب تفكيره وأن يَنْزل لمستوى مشاعره والمحيط الذي يعيشه الشباب، مؤكدا أن كل سلوك سلبي يتعلق بانحدار القيم والأخلاق، خصوصاً البعد عن الإيمان، نتحمل مسؤوليته بالتضامن، كل فيما يخصه، وأن ضبط القيم الأخلاقية والمحافظة على معنى الإنسانية يبدأ من «الوجدان» و«العقل» معاً والتفكير في منطقة الواقع والقدرة على استيعابها وتحليلها وإيجاد الحلول لها، وقد نشخص الحالة تشخيصاً صحيحاً لكن قد لا نحسن وصف علاجها، وقد نحسنه لكن لا يتم أخذه بالطريقة الصحيحة، لقد دخلت على عالمنا مظاهر لا يقبلها الإيمان بالخالق، وبالتالي ترفضها الأديان السماوية كافة، وهي تنحدر بالإنسان لتجرده من كل القيم التي ميزته كإنسان.كما أكد أمين الرابطة أن المنتصر الحقيقي في الحوار الموضوعي بين أتباع الأديان والثقافات هي القيم، لكن ما هي القيم التي نعني؟ وبالتالي ما هي القيم التي نريد؟ إنها باختصار المشتركات الإنسانية، ولا بد لنا حتى نُطَبّق هذه القيم من أرضية تؤسِّسُ لها، ترتكز على أمور عدة من أهمها:
أولا: كفاءة التعليم الذي يشمل المنهج والمعلم، ولا بد أن يُركز التعليم على المعارف السلوكية والأخلاقية، إضافة إلى العلوم على حد سواء، والمعارف التي نريد هنا أن تشمل صياغة السلوك الحضاري للأطفال وصغار الشباب من خلال استعراض المعارف الإنسانية ذات الطابع الأخلاقي المشترك، وتحريك فكرهم لإقناعهم بها عبر إيضاح النماذج الإيجابية للأخذ بها، والنماذج السلبية الناتجة عن رفضها، وأيضاً إقناعهم من خلال المعرفة أن الإنسان يستحق وصف الإنسان بتلك القيم، وأن الخاسر الأول والأخير في المخاطرة بالقيم هو الشخص ذاته قبل غيره. وكذلك إقناعهم بالمسلمات الكونية في وجود الاختلاف والتنوع والتعدد، وأنه لا يعني الصراع والصدام أبداً، وأن هذا الفهم لا يلجأ له الأسوياء أبداً. يتلو ذلك تدريب الأطفال وصغار الشباب عملياً من خلال برامج متنوعة
الثاني: من مرتكزات تطبيق القيم المشتركة كفاءة قيادة الأسرة، فلابد من أسرة واعية، تسهم بشكل رئيسي في صياغة عقول أطفالها بالمعارف السلوكية الإيجابية، وكلنا ندرك أن أصل الإنسان هو الفطرة السليمة النقية، فالإنسان لم يُخلق شريراً، ولا عنصرياً، ولا كارهاً، وهو مدني بطبعه، ولكن ما الذي يحصل لهذا الإنسان؟ يحصل له أنه يتأثر بالسلوك السلبي المكتسب أياً كانت الأسباب الباعثة عليه، فمثلاً يجد في الخطأ أو الإساءة أو الاعتداء مصلحة ذاتية مغرية، أو يجره التصور الخاطئ إلى ممارسات سلبية، فهناك من يعتقد أنه الصواب المطلق، ثم لا يكتفي بذلك بل يتجاوز إلى الإساءة للآخرين واستحقارهم وربما تطور إلى إيذائهم.
اعتبر الدكتور العيسى انعزال الأديان في دُور عباداتها بعيداً عن القيام بواجبها الأخلاقي والإنساني ينافي الواجب عليها ويحولها إلى مؤسسات شكلية ويزعزع الثقة بها. وتابع: كلنا نعلم أن بوابة السلام والوئام بين أشكال الاختلاف والتنوع الإنساني كافة هو الاحترام المجرد، وهو الذي يمهد بشكل تلقائي للحوار والتفاهم الذي لا بد أن يكون موضوعياً. لكن نسأل أنفسنا هل كانت السجالات الدينية والثقافية طيلة التاريخ الإنساني خالية من الأخذ بخيار الحوار؟ الواقع أن خيار الحوار كان موجوداً في كثير من الأحوال، لكنه لم يكن فعَّالاً بالقدر اللازم لنجاحه.
والسؤال ما سبب عدم فعاليته؟ هل السبب هو أن هناك صداماً محتوماً بين الحضارات كما يؤمن البعض، وبالتالي لا جدوى من الحوار مهما فعلنا لإنجاحه؟ أو أن صيغة الحوار خاطئة، لاسيما ما يتعلق بالثقة المتبادلة أو حسن إدارة الحوار؟ أو أن هناك مشاحة وعدم تسامح في المنطقة التي يُفَضَّل فيها التسامح؟ أو أن الحوار غير مسبوق بأرضية ممهدة له، وبعبارة أخرى لا توجد له «منصة إطلاق»؟ أو أن الحوار مسبوق بمحاولة فرض القناعة وذلك لإصرار كل محاور على أنه يمتلك الحقيقة المطلقة وبالتالي لا مجال للتفاهم على خلافها، فضلاً عن أن تكون هناك قناعة بما لدى الآخر بشكل كلي أو جزئي؟ أو أن الحوار لم يضع المشتركات كأساس ينطلق منها، ومن ثَم شَرَعَ مباشرةً في نقاط الخلاف، على أساس أن المشتركات تُعتبر العنصر الرئيسي في إيجاد القدر اللازم من التفاهم، ومن ثم رسم الأهداف المشتركة، وصولاً إلى ردم الفجوة السلبية بين أطراف الحوار؟
كما أن من أسباب عدم فعالية الحوار هو أن بعض المتحاورين لا يُدرك سلبيات فشل الحوار بسبب الشد المتبادل، ومن ثم العودة لمربع الخلاف السلبي أو الصدام.
وقع الشيخ العيسى مع مدير الجامعة الكاثوليكية فرانكو انيلي اتفاقية للتعاون والشراكة بين الجامعة ورابطة العالم الإسلامي؛ بهدف تطوير وتحسين برامج اللغة العربية ونشاطات البحوث الثقافية العربية والإسلامية. وتأتي أهمية الاتفاقية في ظل ما أنجزته الجامعة الكاثوليكية خلال السنوات الأخيرة من دراسات وبحوث وبرامج ومبادرات تدريبية مرتبطة باللغة والثقافة العربية، وانطلاقاً من حرص الرابطة على دعم وتعزيز وتحسين كل الجهود التي تبذلها المؤسسات الأكاديمية العالمية في حقول اللغة والثقافة العربية والإسلامية.
لفت العيسى في كلمته إلى العلاقة القوية بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي والصداقة التي تترسخ كل يوم بين هذين العالمين، لقد كان للبابا فرانسيس مواقف عادلة مع الإسلام والمسلمين صرَّح بها أكثر من مرة، والمسلمون يقدرون بشكل كبير هذه التصريحات ويقدرون كذلك صداقته مع العالم الإسلامي. وقال عقدنا مؤتمراً تاريخياً في مكة المكرمة اجتمع فيه عموم المفتين والعلماء المسلمين، حضره أكثر من 1200 مفتٍ وعالم من جميع الطوائف الإسلامية وعددهم 27 مذهباً وطائفة، جاءوا جميعاً تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي وعلى بعد خطوات من الكعبة المشرفة، وأعرب عدد منهم في كلماتهم عن تقديرهم لتصريحات البابا حول الإسلام والمسلمين، خصوصا في أعقاب الأعمال الإرهابية التي قام بها مجرمون محسوبون زوراً وكذباً على الإسلام، كما أننا في المقابل لا يمكن أن نحسب الأعمال الإرهابية التي قام بها مجرمون منسوبون إلى أديان أخرى على تلك الأديان التي يدعون اتباعهم لها.